أحمد عونى: أستعين بشخصيات«نجيب محفوظ» أحيانًا لفهم واقعى

القاص والروائي أحمد عوني
القاص والروائي أحمد عوني

يقول القاص والروائي أحمد عوني، عن أدب نجيب محفوظ لـ«أخبار الأدب» إن العالم الذى شيده بأبعاده النفسية والواقعية والفلسفية من التكامل بشكل يجعل التأثر به بديهيًا كالتأثر بالعالم المُعاش, لم أكن أعرف نجيب محفوظ حين كتبت أول قصة. كان عمرى سبع سنوات وكان يكفى معرفتى بأن الكتابة يتبعها احتفاء وتشجيع عائلى، ضخّمت العائلة هوايتى وقررت أنى كاتب، وربما لهذا لم ينتبه أحد منهم أنى مازلت طفل فى خضم ذعرهم أمام التلفزيون ليلة محاولة اغتيال نجيب محفوظ. قالوا أمامى أن الرجل لم يفعل شيئًا غير أنه كتب، وزارنى نجيب فى كوابيس متعددة فى هذه الفترة، مفادها أن الكتابة قد يتبعها أيضًا سكين عالق فى العُنق، فتوقفت عن ممارسة هذه الهواية الخطيرة. 

مُدرس اللغة العربية كان له رأى مختلف بعد سنوات، قال: «لا تهتموا بما سأقوله فى درس اليوم، فهذا الرجل كافر»، ثم شرع فى شرح درس القراءة الذى كانت وزارة التعليم تحتفى فيه بكاتبنا الحائز على جائزة نوبل. اطمأنيت لوجود الكُفر كسبب أكثر إقناعًا لكى أتجنب كتب محفوظ فى المكتبة، فلم أنشغل مع باقى الزملاء فى سؤال المدرس عن ما هو الكُفر.

ويضبف أحمد عوني تنوعت قراءاتى وأصبحت الاتهامات التى تجنبت قراءة محفوظ بسببها لا تعنينى، ولكن ظل هناك حاجز، شىء ما كان يمنعنى من قراءته؛ أتخيل الآن أنه التميز الاجتماعى الذى كانت تمنحه لى القراءة وقتها. الكل كان يعرف محفوظ، بالتأكيد كان أفضل لى أن أتكلم عن رواية مغمورة اكتشفتها فى مكتبة أبى. وأظن أنى سعيًا لإعطاء هذا الحاجز سبب منطقى، قررت وأنا مراهق أن أتبنى موقف أحد أصدقاء العائلة الذى كان يقول بيقين أن نوبل ذهبت لمحفوظ بدلاً من يوسف إدريس بسبب ميوعة مواقف محفوظ السياسية بخصوص إسرائيل. ومثل الشاب الذى حاول قتله بدون أن يقرأ كتبه، تبنيت هذا الاتهام ورددته كأنه حقيقة أعرفها. 

شاء حظى الجميل أن أهتم بالكتابة من جديد وأنا أبلغ التاسعة عشر، وأن أقع فى طريق ناشر غاية فى الرقة وأثناء مناقشة إمكانية نشر مجموعتى القصصية معه يقول إنى متأثر بكتاب «أحلام فترة النقاهة» وأقول بفخر إنى لم أقرأ محفوظ فيرد بهدوء: «قصدك أنك حمار».

وأقتنع بكلام الناشر فور انتهائى من قراءة «قشتمر». أتوقف عن الكتابة وأقرأ معظم ما أنتجه نجيب محفوظ فى أقل من عام. أعتقد أنى عرفت الفرق بين الكتابة كفعل عادى وبين الأدب كتشريح للعالم من خلال رواياته. أعود كل فترة لقراءته من جديد، باحثًا عن ونس صداقة نشأت بينى وبين لغته، وأستعين بشخصياته أحيانًا كمدخل لفهم شخصيات فى واقعى. أعجز عن تحديد إن كان لقراءته أثر على محاولاتى للكتابة، فالعالم الذى شيده بأبعاده النفسية والواقعية والفلسفية من التكامل بشكل يجعل التأثر به بديهيًا كالتأثر بالعالم المُعاش. ولكنى بالتأكيد أستلهم سيرته، فليس هناك أقرب من محفوظ ليعطيك نصائح مثل أن تخُلص لفن السرد وأن تحكى أكثر مما تصّرح، وألا تنظر للكتابة كأنها وحى ينزل على الموهوبين لأنها فى الواقع تحتاج إلى جهد شاق ويومى، والأهم أنها تحتاج إلى شجاعة أن تُبحر وتتجدد بين الأساليب والعوالم كما تشاء بدون أن تُكبّل نفسك بتوقعات الآخرين.